أقدم الصحافي الإيراني كيانوش سنجري على إنهاء حياته، يوم الأربعاء 13 نوفمبر (تشرين الثاني)، في خطوة احتجاجية على استمرار حبس 4 معتقلين سياسيين.
وكان سنجري قد أعلن، يوم الثلاثاء 12 نوفمبر عبر حسابه على منصة "إكس"، أنه إذا لم يتم الإفراج عن فاطمة سپهري، نسرين شاکرمي، توماج صالحی، وآرشام رضایی بحلول مساء اليوم الأربعاء، فسوف "ينهي حياته احتجاجاً على دكتاتورية خامنئي وشركائه".
ورغم الرسائل العديدة التي تلقاها تحت منشوره على "إكس" لمحاولة ثنيه عن قراره، وعلى الرغم من تواصل طبيبين متخصصين وعدد من النشطاء السياسيين المعروفين معه، نشر سنجري عند الساعة السابعة مساءً صورة لجسر حافظ في طهران.
وبعد دقائق، عند الساعة 7:20 مساءً، نشر تغريدة أخرى قال فيها: "الوعد وفا. لا ينبغي لأحد أن يُسجن بسبب تعبيره عن آرائه. الاعتراض حق لكل مواطن إيراني. حياتي ستنتهي بعد هذه التغريدة، لكن لا ننسَ أننا نضحي من أجل حب الحياة، لا الموت. أتمنى أن يستيقظ الإيرانيون يوماً ويتغلبوا على العبودية. عاشَت إيران".
وكان سنجري، الذي سُجن سابقاً بسبب نشاطه السياسي، قد كتب في وصف حسابه على "إكس" عبارة: "ما زلت على قيد الحياة".
الاعتقال والسجن
اعتُقل كيانوش سنجري لأول مرة عام 1999، حين كان عمره 17 عامًا، خلال احتجاجات طلابية في الذكرى السنوية الأولى لأحداث يوليو (تموز) 1998، واحتُجز عدة أشهر في الحبس الانفرادي.
واعتُقل تسع مرات لاحقًا، حتى مغادرته إيران عام 2007، وتعرض للتحقيق والتعذيب في مركز احتجاز الحرس الثوري رقم 59، والجناح 209 بسجن "إيفين"، التابع لوزارة الاستخبارات.
وكان أحد هذه الاعتقالات، أثناء فترة حكم الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي؛ حيث ظل سنجري 111 يومًا في جناح 209 بسجن إيفين، الخاضع لوزارة الاستخبارات، وُجهت إليه تهم: "العمل ضد أمن الدولة" و"الدعاية ضد النظام"، و"الانتماء إلى الجبهة المتحدة للطلاب"، و"المشاركة في الاحتجاجات"، و"إجراء مقابلات مع وسائل إعلام خارجية"، و"تشويه أوضاع السجون في مدونته"، وتنظيم تجمعات أمام مكتب الأمم المتحدة في طهران، وقد قضى سنجري سنتين إجمالاً في السجن، على إثر هذه التهم.
وفي منتصف عام 2007، وقبل إحدى جلسات المحكمة، غادر إيران. بعد قضاء فترة في أحد مخيمات حزب كومله بكردستان العراق، وقُبِل كلاجئ سياسي في النرويج، ووصل إلى عاصمتها أوسلو، في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2007.
وأقام كيانوش سنجري في النرويج أقل من سنة، وواصل نشاطه السياسي خلال تلك الفترة، بما في ذلك تنظيم احتجاجات، بالتعاون مع فرع النرويج لمنظمة العفو الدولية ضد أحكام الإعدام وقمع الطلاب في إيران.
وفي أواخر صيف 2008، هاجر هذا الناشط السياسي الراحل إلى الولايات المتحدة، وكان من المتحدثين في تظاهرة نُظمت يوم 23 سبتمبر (أيلول) 2008، بالتزامن مع زيارة الرئيس الأسبق، محمود أحمدي نجاد، إلى نيويورك؛ احتجاجًا على انتهاكات حقوق الإنسان في إيران أمام مقر الأمم المتحدة.
العودة إلى إيران.. الاعتقال والسجن مرة أخرى
عاد سنجري في 2 أكتوبر 2016 إلى إيران، بعد ثماني سنوات من الإقامة في الولايات المتحدة، حيث عمل صحافيًا في قسم حقوق الإنسان باللغة الفارسية في إذاعة "صوت أميركا".
وكتب سنجري عن عودته، في رسالة نُشرت حصريًا بموقع "إيران واير" الإخباري: "بإيجاز، كنت مصابًا بجنون الوطن… قررت مواجهة الحنين القاتل لعائلتي ووطني، والخوف من العودة إلى أرض سبق أن سُجنت فيها وعُذبت عدة مرات".
وبعد شهرين من عودته، تم اعتقاله في ديسمبر (كانون الأول) 2016، وبعد قرابة 60 يومًا من الاحتجاز والتحقيق، أُطلق سراحه في الأسبوع الأخير من فبراير 2017 بكفالة مالية قدرها 100 مليون تومان.
وكتب سنجري لاحقًا عن التعذيب، الذي تعرض له خلال التحقيق وعن نقله لمدة خمسة أيام إلى مستشفى "أمين آباد" للأمراض النفسية. وفي 23 يوليو 2017، أعلن على "إنستغرام" أنه على الرغم من علم السلطات بعودته لرعاية والدته المريضة والوحيدة، فقد أحيلت قضيته إلى المحكمة؛ حيث حكم عليه رئيس الشعبة 26 بمحكمة الثورة، القاضي ماشاء الله أحمد زاده، بالسجن خمس سنوات حبسًا فعليًا، وست سنوات مع إيقاف التنفيذ، إضافة إلى منعه من السفر لمدة عامين، بتهم مثل "التجمع والتآمر"، و"الدعاية ضد النظام"، و"الانتماء إلى مجموعة غير قانونية".
وبعد قضائه جزءًا كبيرًا من فترة العقوبة، أُفرج عنه بقرار "عدم تحمل العقوبة". وبعد إطلاق سراحه، تحدث سنجري مرارًا عن حالته الصحية، والتعذيب الذي تعرض له، وسوء المعاملة في مستشفى "أمين آباد" للأمراض النفسية.
وبعد فترة، غادر سنجري إيران، مرة أخرى ليلة عيد نوروز 2021. وكتب في مذكرة نشرها موقع "إيران واير": «الليلة، الليلة 21 مارس 2021، مررت عبر آخر بوابة قبل الصعود إلى الطائرة، بخطوات مترددة، ودموع في عيني، وقلب مجروح، وبعد قضاء 5 سنوات و5 أشهر و20 يومًا في السجن، ومصحة نفسية، وتحقيقات في مقار أمنية، وإجراءات حضور يومية، ودفع غرامات، والرفع من منعي من السفر، غادرت وطني الحبيب والمحتل".
ومع ذلك، لم يستطع كيانوش سنجري تحمل الابتعاد عن إيران لفترة طويلة، وعاد مجددًا بعد مدة قصيرة؛ ليواصل كتابة مقالاته النقدية، واعتُقل مجددًا خلال احتجاجات «المرأة، الحياة، الحرية» في نوفمبر 2022، ضمن موجة الاعتقالات المرتبطة باحتجاجات 2022، ثم أُفرج عنه بعد فترة.